رسالة رفض: من الروحانيه / الحب، من مبدأ اللاعنف، وعن الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية
14 شاعاشر/ 2012
اسمي موريال زكريا روثمان وعمري 23 سنة. قضيت أغلب حياتي في الولايات المتحدة، ولكني ولدت في القدس (وانا يهودي) وبالتالي فأنا مواطن إسرائيلي منذ الولادة. من المتوقع مني – كما هو متوقع من جميع اليهود الاسرائيليين إلا الارثودوكس – أن أقوم بالخدمة الاجبارية في “الجيش الإسرائيلي”. لقد عدت إلى القدس في العام الماضي، وتلقيت مؤخراً بلاغاً من ”جيش الدفاع الإسرائيلي” بخصوص خدمتي. وبعد تفكير طويل، قررت رفض الخدمة العسكرية.
قبل ان اشرح قراري، بودي الاقرار بالتالي: اولاً، وجودي هنا هي فرصة لا تتوفر لكثير من الأشخاص، وثانياً، وجودي هنا هو إختياري لوحدي. إنني على أدركٍ تام أن حياتي قد وفرت لي العديد من الفرص والتسهيلات مقارنةً بحياة الكثير من الاسرئيليين، كالتعليم الخاص والظروف المادية المستقرة، وحتى عرقي الأبيض الذي جعلني أقل عرضة للتمييز العنصري. ولذلك فأريد التوضيح أنني لا اعتبر نفسي باي شكل أحسن من غيري من الاسرائليين بسبب قرار رفضي للخدمة العسكرية. قليلاً ما يكون هذا القرار قراراً شخصياً أو حتى اختياراً، ففي أغلب الأحيان يكون هذا القرار نتيجة 18 سنة من التربية وضغط المجتمع والدعاية والخوف من الإضطهاد والنفي الرمزي أو الروحي.
إني اكن إعجاباً هائلاً للأشخاص ذوي ال-18 سنة الذين رفضوا الخدمة العسكرية في هذا العمر على الرغم من كل المصاعب التي ذكرتها. فلو كنت في مكانهم عندما كان عمري 18 سنة، كنت على الارجح، وعلى الرغم من التحفظات والصراعات الداخلية، قد خدمت في الجيش ولربما في الأراضي المحتلة . بالتالي أريد أن أوضح أن قراري لرفض الخدمة العسكرية مرتبط بظروفي الحسنة والمحظوظة وعليه، قراري ليس ضد أفرادٍ معينين بل هو احتجاج على ما أعتبره نظاماً ظالماً وفاسدا.
انتقلت هنا، إلى إسرائيل وفلسطين، مثل ما فعل الملايين من اليهود الآخرين خلال القرن الماضي لأنني أشعر بصلة لهذا الشعب و لهذه الأرض. اخترت أن أكون هنا، في هذا المكان على وجه الأرض حيث قرارات الشعب اليهودي لها أثر، على اختلاف مضمونها. أريد أن أكون جزءا من هذا المجتمع وأريد أن أساهم في جعله مكاناً آمناً من خلال الأمل في أن نتمكن من التحرر من دائرة العنف التي دفع إليها الشعب اليهودي، ونرقى إلى مستوى المثل الأخلاقية المنحوتة في كتبنا المقدسة وذاكرتنا التاريخية.
لماذا أرفض الخدمة العسكرية؟
باختصار، اسبابي هي كالاتي: الله / الحب، مبدأ اللاعنف، والاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
السبب الأول: الله/ الحب
”لق الله الانسان على صورته” (تكوين 1:27). أخذ حياة أي شخص هو بمثابة تدمير جزء من الله وتقليل من شأن الوحدانية والتي هي الإنسانية بذاتها. وان تقييد حرية شخص أو شعب هو تدنيس لله، وكذلك فان انتهاك كرامة الإنسان هو التقليل من قداسة الله. السبيل الوحيد لاكرام الله هو من خلال محبة الآخرين. فأنا أسعى باستمرار، وأفشل باستمرار، وأستمر بالسعي إلى عيش حياة يكون فيها الله وحب الآخرين في المركز.
وهناك عنصر آخر من إيماني بالله الا وهو “اللامعرفة”. الاله الوحيد الذي أعرفه هو الله – ولكن الله نفسه مجهول وغامض لا يمكن “معرفته”. الله بالنسبة لي ربما يتجلى على نحو ما في مفهوم ”الذهول الجذري” للحاخام أبراهام جوشوا هيشل. في نطاق هذا المفهوم يشعر الشخص بالدهشة لعدم قدرته على العلم الكامل بما يتعلق بكل لحظة من لحظات الحياه، بل يتعجب من امكانه من التعجب نفسه. بما إنه لا يمكننا “معرفة” الله، فالمطلوب منا هو التواضع عندما نحاول السير والتفكير والإحساس والايمان بما نعتقد انه سبيل الله الأمثل. إن عنصر “اللامعرفة” مرتبط مباشرة بالسبب الثاني لرفضي للخدمة العسكرية وهو الالتزام بمبدأ اللاعنف.
السبب الثاني: مبدأ اللاعنف
اللاعنف الحقيقي يلتحق دائماً بالتواضع.
يصرح مارتن لوثر كنج، اثناء زيارته للهند، عن ضرورة احتضان “واقعية السلمية”، والتي تمثل السلمية التي تعكس اللاعنف كذاك “الاقل شرا نظرا للظروف المتوفرة” بدلا من اللاعنف “الخالي من الشر”. فعلا، اذا قمت برفض الخدمة او عدم رفضها، سوف يستمر البشر في قتل بعضهم البعض، سوف يبقى المجتمع الاسرائيلي يعاني من النزعة العسكرية، من الخوف، من العنف الهيكلي المتفشي في جميع المجتمعات الغربية. وانني لا احاول تبرئة نفسي من اعمال الظلم تلك، او مسح يدي بمجرد رفضي للخدمة في احدى مظاهر هذا العنف المجتمعي. حتى ايادي السلمية ملطخة بالدماء.
مستلهما بتصريح كنج، اصرح موضحا بانني لا اكره الجنود، ولا اكره المستوطنين. اني اكره الكثير من اعمالهم، اكره النظام الذي يقومون بدعمه ويقوم بدعمهم، اكره الطغيان والعنصرية والتفرقة وحقيقة الامر ان اسرائيل اليوم تشبه بالعديد من الطرق الولايات المتحدة في سنوات ال 50 وال 60. كل ذرة مني تكره مظاهر العنصرية، العنف، والطغيان الاكثر سوءا في مجتمعي المتمثلة اليوم باهداف ومخططات “جيش الدفاع الاسرائيلي” لعام 2012: الاحتلال العسكري الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية. بطرق عدة، رفضي ليس “انتقائياً”. حيث انني كنت سوف ارفض ايضا الخدمة في الجيش العسكري للولايات المتحدة، او التركية، او الفلسطينية، ان تواجد، او حتى في الجيش العسكري السويدي. وبعد، حين شاهدت اعمال العنف الذي يقدم عليها “جيش الدفاع الاسرائيلي” في الاراضي الفلسطينية المحتلة، فعليا وهيكليا، نشأ وتعزز رفضي المبدئي للعنف النظامي، وقد كان ذلك الاحتلال هو مدفعي للايمان بان الجيوش العسكرية تخلق العنف.
السبب الثالث: الاحتلال العسكري الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية
قررت التطرق لهذا العنصر من رفضي للخدمة اخرا، ليس لكونه اقل اهمية بالنسبة لي- على العكس، فانه الاكثر ضرورة والاقل نظرية نسبة للعنصرين الاخرين- وانما نظرا لانه قد تكون ضمن المجتمعات الاسرائيلية واليهودية، والتي اعتبرها شريكي الاساسي عامة وفي هذه المحادثة خاصة، ثقافة تتمثل بالنكران الجذري لكل ما يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي.
املي بان هؤلاء الذين قد وصلوا الى هذا الجزء من رسالتي سوف يدركون، على اقل على مستوى ما، ان رفضي للاحتلال وللدور الذي يلعبه “جيش الدفاع الاسرائيلي” من هذا الاحتلال انما يتجذر وينبع من مبادئي اليهودية والعامة، وسوف يكونون على استعداد لفتح قلوبهم وتقبل هذا الجزء الاخير من رسالتي. على الرغم من ذلك، لن اتمكن بعد الان من استعمال الكلمات الرقيقة، وسوف يخلو هذا الجزء من فن البلاغة المعسول والمتساهل: ان الحتلال ليس الا احد المظاهر للقسوة والظلم.
ان الاحتلال هو ضد الله، ضد الحب، وبما يثير للدهشة، دائم العنف.
ان الاحتلال يرتكز على نظام من التفرقة العرقية\الاثنية والتي تمثل في الحقيقة الابرتهايد في جنوب افريقيا والفصل العنصري في الولايات المتحدة الجنوبية حتى سنوات ال 60.
وان هذا الاحتلال “المؤقت” لن يوضع له حدا في اي وقت قريب، وانما هو على نمو وازدياد في قوته.
تنعدم كليا اي نية في سياسة الحكومة الاسرائيلية لانهاء الاحتلال، وان الجمهور الاسرائيلي قد احتضن الى حد كبير حقيقة الوضع الراهن، والذي اصبح ضمنه الاحتلال الاسرائيلي يمثل مسالة نظرية رهن للتسائلات، مسالة قد مل العديد من التطرق اليها. الا ان الاحتلال قد يكون مسالة نظرية فقط حين تكون غير خاضع له، ولهذا، فان رفضي لدعم الاحتلال عن طريق الخدمة في “جيش الدفاع الاسرائيلي” يمثل ايضا دعمي وتضامني مع الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت هذا الاحتلال ويخضع له، هذا الشعب الذي يعيش معاناة لن استطيع فهمها، كوني قادم من مكان قد وفر لي العديد من الفرص التي لم تتوفر لكثيرين (ان دخلت\ عند دخولي السجن، سوف يكون ذلك مختلف كليا عن تجربة الالوف والالوف من الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وعن تجارب العديد من الاطفال الذين ادخلوا الى السجون. سوف تكون تجربتي اقل خوفا، اكثر توقعا، واسهل من تجربة غيري، حيث ساتمتع بالعديد من الخدمات التي لا يتمتعون بها). ان مقاومة هذا الشعب للاحتلال، والتي تتصف باللاعنفية، قد الهمتني وادهشتني، ان كانت عن طريق المظاهرات، الاضراب عن الطعام، التطوير الاجتماعي عن طريق الفن والثقافة، او عن الطريق الفعل المجرد بالحفاظ على الكرامة والطلاوة في وجه الظلم التاريخي والمعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون، مرارا، ابتدائا بالنكبة عام 1948 وخصوصا عند بداية الاحتلال عام 1967.
لا انوي التحدث بعمق او التطرق لتفاصيل الاحتلال في رسالتي ( لما يتعلق بافكاري المفصلة عن الاحتلال، يمكن زيارة يومياتي الخاصة على الانترنت، The Leftern Wall، بالاضافة الى مقالات واشعار مختلفة قمت بكتابتها). لا اتوهم بان هذه الرسالة لوحدها، بغض النظر عن مدا طولها او التفاصيل التي تحويها، سوف تتمكن من تغيير اراء اي شخص لا ير الاحتلال كاحد الشرور المدمرة، او شخص يرى بافعال “جيش الدفاع الاسرائيلي” في الاراضي الفلسطينية افعالا مبررة. الا انني رغم ذلك اومن بان من شانها ان تزرع بذور الشك والتسائل في بعض القلوب. لذلك، سوف اطلعكم على قصة، قد تكون حسب راي اشد وطئة من اي حجة او دراسة اكاديمية، وسوف اوصي بالاطلاع على بعض المواد التي كان لها تأثير كبير علي.
الشتاء الماضي، وفي قرية سلوان الواقعة في القدس الشرقية، قابلت فتى في الرابعة عشر من عمره اسمه “S”. تتلخص خصل “S” بكونه متوسط الحجم، يملك شعرا قصيرا داكن وعينين لوزيتين. هو خجول قليلا ويتمتع بابتسامة رقيقة، وهو يكاد ينهي الصف التاسع. عندما التقيت ب “S”، كان قد خرج مؤخرا من السجن الاسرائيلي بعد ان قضى به 30 يوما، عذب خلالهم جسديا وعاطفيا، ابعد عن اهله وعائلته، هدد بالسكين و “الوسائل الكهربائية”، ووضع احيانا في الحبس الانفرادي. في الرابعة عشر من عمره. عند اطلاق سراحه، خضع فورا للاقامة الجبرية، وعندما قابلته، كان قد اضاع سنته الدراسية الاخيرة. لقد كان “S” متحمسا لمقابلتي، وسألني ان كنت استطيع مساعدته على رواية قصته، والعودة الى مدرسته، واخذ صورة لكلينا عبر هاتفه.
ويأتي السؤال: ما الذنب الذي اقترفه؟
والجواب: لا يهم. فانه فقط تحت نظام الاحتلال يستطيع صبي- والذي ليس حتى مواطنا اسرائيليا- ان يحجز تحت ظروف مروعة كهذه. فقط تحت نظام الاحتلال تكون قصة كهذه ليست فقط قابلة للتصديق، بالنسبة للفلسطينيين واولائك الذين يعملون معهم، وانما ايضا غير مفاجئة.
ولكن، هؤلاء الذين لم يتمتعوا ولم تثقل احمالهم بالتعرض بانفسهم لهذا الواقع، يصعب عليهم تصديق مثل هذه الروايات. لقد اخبرت هذه القصة العديد من المرات، وكان جواب العديدين: “لا اصدق هذا”، او “ان هذا ليس حقيقياً”. اتمنى لو كان ذلك ليس حقيقياً.
انه حقيقي. كما هي قصص الالاف والالاف المماثلة، ان رويت او لم ترو. الاحتلال، والذي يرتسم على المعاملة الغير متساوية، واخضاع جميع السكان الفلسطينيين بمختلف وسائل القوة، يسمح لهذه الاعمال بان تحصل. اعمال تتمثل بحجز وتعذيب صبي في الرابعة عشر من عمره وحرمانه من العودة الى مدرسته: الاحتلال بحاجة الى اعمال كهذه. الاحتلال بحاجة لسحق الفلسطينيين واخضاعهم لهوله، لحفاظهم في حالة من الخوف والشك التواصل، لمعاملتهم بطريقة وكانهم اقل انسانية، وكانهم اقل استحقاقا للحقوق، الكرامة والامن. هذه هي الوظيفة الاساسية لـ”جيش الدفاع الاسرائيلي” في الاراضي الفلسطينية المحتلة (وبهذا وظيفة الجيش الاساسية عامة): ابقاء الفلسطينيين بحالة خوف مستمر، “لكي لا تعلوا رؤوسهم”، للحفاظ على حالة مستمرة من التهديد بالعنف والعقاب ضد شعب كامل.
ارفض دعم اي نظام يعامل الاطفال على انهم دون مستوى البشر.
ارفض. ارفض الخدمة في الجيش، ارتداء الملابس الموحدة، حمل البندقية. ارفض المساهمة في دائرة العنف واللاانسانية والتي تخيم على هذا المكان الذي احب. الرفض لانني احب، ولانني اومن بان هناك امكانية لاحلال واقع افضل، ولانني اومن بالله وبالانسانية. ارفض تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال، املا بان يصل ذلك الى قلوب البعض من افرادالمجتمع اليهودي الاسرائيلي واليهودي الامريكي. ارفض كره هؤلاء الذين اقدموا على قرار اخر، وامل بان رفض الكراهية سوف تتبادل بين البعض في هذه الحدبة التي سوف تتخلل العديد من التحديات والمناورات خلال الاشهر القادمة.
خالص الامل، الحزن، بعض من الخوف، والحب،
موريال زكريا روثمان.
No hay comentarios:
Publicar un comentario